قتضت حكمة الله (تعالى) أن يحدث التغيير والتبديل في كل شيء وفق سنة
ثابتة؛ فقد اقتضت هذه السُّنَّة في جسم الإنسان أن تتبدل محتوى خلاياه على الأقل كل ستة أشهر،
وبعض الأنسجة تتجدد خلاياها في فترات قصيرة تعد بالأيام والأسابيع، مع الاحتفاظ بالشكل الخارجي الجيني،
وتتغير خلايا جسم الإنسان وتتبدل؛ فتهرم خلاياه،
ثم تموت، وتنشأ أخرى جديدة تواصل مسيرة الحياة،
وهكذا باضطراد؛ حتى يأتي أجل الإنسان.
إنعدد الخلايا التي تموت في الثانية الواحدة في جسم الإنسان يصل إلى 125مليون خلية، وأكثر من هذا العدد يجدد يوميًا في سن النمو، ومثله في وسطالعمر، ثم يقل عدد الخلايا المتجددة مع تقدم السن.
وبما أن الأحماضالأمينية هي التي تشكل البنية الأساسية في الخلايا، ففي الصيام الإسلاميتتجمع هذه الأحماض القادمة من الغذاء مع الأحماض الناتجة من عملية الهدم،
فيمجمع الأحماض الأمينية في الكبد (Amino Acid pool)، ويحدث فيها تحوُّلداخلي واسع النطاق، وتدخل في دورة السترات (Citrate Cycle)، ويتم إعادةتوزيعها بعد عملية التحول الداخلي (interconversion)، ودمجها في جزئياتأخرى: كالبيورين
(purines)، والبيريميدين، أو البروفرين (prophyrins)،ويُصنًّع كل أنواع البروتينيات الخلوية، وبروتين البلازما والهرمونات،وغير ذلك من المركبات الحيوية.
أما أثناء التجويع فتتحول معظم الأحماضالأمينية القادمة من العضلات وأغلبها حمض الألانين- إلى جلوكوز الدم، وقديُستعمل جزء منها لتركيب البروتين، أو يتم أكسدته لإنتاج الطاقة بعد أنيتحول إلى أحماض أكسجينية (oxoacids).
وهكذا نرى أنه أثناء الصيام
يحدث تبدل وتحوُّل واسع النطاق داخل
الأحماض الأمينية المتجمعة من الغذاء،
وعملياتالهدم للخلايا، بعد خلطها وإعادة تشكيلها ثم توزيعها حسب احتياجات خلاياالجسم، وهذا يتيح لبنات جديدة للخلايا ترمم بناءها، وترفع كفاءتهاالوظيفية؛ وهو ما يعود على الجسم البشري بالصحة، والنماء، والعافية، وهذالا يحدث في التجويع؛ حيث الهدم المستمر لمكونات الخلايا، وحيث الحرمان منالأحماض الأمينية الأساسية.
فعندما تعود بعض اللبنات القديمة لإعادةالترميم تتداعى القوى، ويصير الجسم عُرضة للأسقام، أو الهلاك. فنقص حمضأميني أساسي واحد، يدخل في تركيب بروتين خاص، يجعل هذا البروتين لا يتكون،والأعجب من ذلك أن بقية الأحماض الأمينية التي يتكون منها هذا البروتينتتهدم وتدمر.
كما أن إمداد الجسم بالأحماض الدهنية الأساسية
(EssentialFatty Acids) في الغذاء له دور هام في تكوين الدهون الفوسفاتية(Phospholipids)، والتي تدخل مع الدهن العادي (Triacylglycerol) في تركيبالبروتينيات الشحمية
(Lipoprotiens)، ويقوم النوع منخفض الكثافة جدًّامنها (very low density liprotien) بنقل الدهون الفوسفاتية والكوليسترولمن أماكن تصنيعها بالكبد، إلى جميع خلايا الجسم؛ حيث تدخل في تركيب جدرالخلايا الجديدة وتكوين بعض مركباتها الهامة.
ويعرقل هذه العملية عددمن المعادن والفيتامينات الهامة واللازمة في تجديد خلايا الجسم: كالحديد،والنحاس، وفيتامينات أ، وب 2، وب 12، وفيتامين د، وتقدم خلايا الكبد أيضًاأعظم الخدمات في تجديد الخلايا؛ حيث تزيل من الجسم المواد السامة، التيتعرقل هذا التجديد، أو حتى تدمر الخلايا نفسها، كما في مادة الأمونيا،التي تسمم خلايا المخ، وتدخل مريض تليف الكبد إلى غيبوبة تامة.
إن الصيام الإسلامي
هووحدة النظام الغذائي الأمثل في تحسين الكفاءة الوظيفية للكبد؛ حيث يمدهبالأحماض الدهنية والأمينية الأساسية، خلال وجبتي الإفطار السحور؛ فتتكونلبنات البروتين، والدهون الفوسفاتية، والكوليسترول، وغيرها؛ لبناء الخلاياالجديدة، وتنظيف خلايا الكبد من الدهون التي تجمعت فيه بعد احتراق الغذاءخلال نهار الصوم، فيستحيل بذلك أن يصاب الكبد بعطب التشمع الكبدي، أوتضطرب وظائفه، بعدم تكوين المادة الناقلة للدهون منه، وهي الدهن الشحميمنخفض الكثافة جدًّا (VLDL)، والذي يعرقل تكونها التجويع، أو كثرة الأكلالغني بالدهون كما بينَّا.
وعلى هذا يمكن أن نستنتج أن الصيام الإسلامي يمتلك دورًا فعالاً في الحفاظ على نشاط ووظائف خلايا الكبد،
وبالتالييؤثر بدرجة كبيرة في سرعة تجدد خلايا الكبد، وكل خلايا الجسم، وهو ما لايفعله الصيام الطبي ولا الترف في الطعام الغني بالدهون